رب يسر وهون وأعن واختم بخير يا كريم، وصلى الله على سيدنا محمد.
الحمد لله الباقي وكل مخلوق يفنى، الواقي ولو أعرض عن عبده لما استغن، سبحانه له الصفات العلى والأسماء الحسنى، قسم الأرزاق والآجال في الطرفين والأثنا، وقدر الأحوال خوفا وأمنا، وكل عنده لأجل مسمى، وقد أحاط علما للكل أقصى وأدنى، أحمده وأستعينه وحق لعبده أنه بمحامده يعنى،ولا يحصى الثناء ولو أثنى العبد ما أثنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قائلها إلى المقام الأسنى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الثقلين إنسا وجنا، والمنعوت بأكرم الأخلاق وأطيب الأعراق من هنا وهنا، المرتقى إلى المراتب العلية حتى كان قاب قوسين أو أدنى، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين هاجروا وهجروا وآووا ونصروا فسبق الآباء وتلاهم الأبناء، صلاة وسلاما يتلازمان فيلتزمان لمديمهما بالحسنى.
أما بعد فيقول العبد الضعيف أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن محمود ابن أحمد بن حجر العسقلاني الأصل المصري المولد القاهري الدار: هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزمان الذي أدركته منذ مولدي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وهلم جرا مفصلا في كل سنة أحوال الدول عن وفيات الأعيان مستوعبا لرواة الحديث خصوصا من لقيته أو أجاز لي وغالب ما أورد فيه ما شاهدته أو تلقفته ممن أرجع إليه أو وجدته بخط من أثق به من مشايخي ورفقتي كالتاريخ الكبير للشيخ ناصر الدين بن الفرات وقد سمعت عليه جملة من الحديث، وكصارم الدين بن دقماق، وقد اجتمعت به كثيرا وغالب ما أنقله من خطه ومن خط ابن الفرات عنه وللحافظ العلامة شهاب الدين أحمد بن علاء الدين بن جحى الدمشقي، وقد سمعت منه وسمع مني والفاضل البارع المفنن تقى الدين أحمد بن علي المقريزي والحافظ العالم شيخ الحرم تقى الدين محمد ابن أحمد بن علي الفاسي القاضي الملكي بمكة والحافظ المكثر صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد الأقفهسي وغيرهم وطالعت عليه تاريخ القاضي بدر الدين محمد العيني وذكر أن الحافظ عماد الدين بن كثير عمدته في تاريخه وهو كما قال لكن منذ انقطع ابن كثير صارت عمدته على تاريخ ابن دقماق حتى كان يكتب منه الورقة الكاملة متوالية وربما قلده فيما يهم فيه حتى في اللحن الظاهر مثل اخلع على فلان، وأعجب منه أن ابن دقماق يذكر في بعض الحادثات ما يدل على أنه شاهدها فيكتب البدر كلامهبعينه بما تضمنه وتكون تلك الحادثة وقعت بمصر وهو يعد في عينتاب ولم أتشاغل بتتبع عثراته بل كتبت منه ما ليس عندي مما أظن أنه اطلع عليه من الأمور التي كنا نغيب عنها ويحضرها وسميته إنباء الغمر بأبناء العمر، والله أسأل أن يختم لنا بخير. وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا على ذيل تاريخ الحافظ عماد الدين ابن كثير فإنه انتهى في ذيل تاريخه إلى هذه السنة، ومن حيث الوفيات أن يكون ذيلا على الوفيات التي جمعها الحافظ تقى الدين ابن رافع فإنها انتهت أيضا إلى أوائل هذه السنة وعلى الله تعالى أعتمد، ومن فيض كرمه أستمد، وهو المستعان، وعليه التكلان، ثم قدر الله سبحانه لي الوصول إلى حلب حرسها الله تعالى في شهر رمضان سنة ست وثلاثين فطالعت تاريخها الذي جمعه الحاكم بها العلامة الأوحد الحافظ علاء الدين ذيلا على تاريخها لابن العديم وقد بيض أوائله فطالعته كله من المبيضة ثم من المسودة وألحقت فيه أشياء كثيرة وسمعت منه أيضا وسمع مني متع الله ببقائه